فصل: سؤال وجواب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.سؤال وجواب:

فإن قيل: كيف الجمع بين قوله: {توفته رسلنا} وبين قوله: {قل يتوفاكم ملك الموت} [السجدة: 11]؟
فعنه جوابان:
أحدهما: أنه يجوز أن يريد بالرسل ملك الموت وحده، وقد يقع الجمع على الواحد.
والثاني: أن أعوان مَلَك الموت يفعلون بأمره، فأضيف الكل إلى فعله.
وقيل: تَوَفيّ أعوان ملك الموت بالنزع، وتوفِّي ملك الموت بأن يأمر الأرواح فتجيب، ويدعوها فتخرج، وتوفِّي الله تعالى بأن يخلق الموت في الميت. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَة}: فيه خمسة أوجه:
أحدها: أنه عَطْفٌ على اسم الفاعل الواقع صِلَةً لأل؛ لأنه في معنى يَفْعَل، والتقدي: وهو الذي يقهر عبادَةُ ويرسل، فعطف الفعل على الاسم؛ لأنه في تأويله، ومثله عند بعضهم: {إِنَّ المصدقين والمصدقات وَأَقْرَضُواْ} [الحديد: 18] قالوا: أقْرَضُوا عطف على مُصَّدِّقِين الواقع صِلَةً لأل؛ لأنه في معنى: إنَّ الذين صَدَّقُوا وأقْرَضُوا، وهذا ليس بشيء؛ لأنه يلزم من ذلك الفَصْلُ بين أبْعَاضِ الصِّلةِ بأجنبي، وذلك أن {وأقْرَضُوا} من تمام صِلَةِ أل في {المُصَّدِّقين}، وقد عطف على الموصُولِ قوله: {المُصَّدِّقات} وهو أجنبي، وقد تقرَّر غير مرَّةِ أنه لا يتبغ الموصول إلاَّ بعد تمام صلته.
وأمَّا قوله تعالى: {فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 19] ف {يَقْبِضْنَ} في تأويل اسم، أي: وقابضات.
ومن عطف الاسمعلى الفعل لكونه في تأويل الاسم قوله تعالى: {يُخْرِجُ الحي مِنَ الميت} [الأنعام: 95].
وقوله: [الطويل]
فَألْفَيْتُهُ يَوْمًا يُبِيرُ عَدُوَّهُ ** ومُجْرٍ عَطَاءً يِسْتَخِفُّ المعَابِرَا

والثاني: أنها جملة فعلية على جملة اسمية وهي قوله: {وهُوَ القَاهِرُ}.
والثالث: أنها مَعْطُوفَةٌ على الصِّلَةِ، وما عطف عليها، وهو قوله: {يَتَوَفَّاكُمْ} و{يَعْلَم} وما بعده، أي: وهو الذي يتوفاكم ويرسل.
الرابع: أنَّهُ خبر مبتدأ محذوف، والجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحالِ، وفي صاحبها وجهان:
أظهرهما: أنه الضمير المُسْتَكِنُّ في {القَاهِرِ}.
والثاني: أنها حالٌ من الضمير المُسْتَكِنَّ في الظرف، هكذا قال أبو البقاء، ونقله عنه أبُو حيَّان قال: وهذا الوجهُ أضعفُ الأعاريبِ.
وقولهما: الضمير الذي في الظرف ليس هنا ظَرْفٌ يُتَوَهَّمُ كون هذه الحال من ضير فيه، إلاَّ قوله: {فَوْقَ عِبَادِهِ}، ولكن بأيِّ طريق يتحمَّلُ هذا الظرف ضميرًا؟
والجوابُ: أنه قد تقدَّم في الآية المشبهة لهذه أن {فَوْقَ عِبَادِهِ} فيه خمسة أوجه:
ثلاثة منها تتحمَّلُ فيها ضَمِيرًا، وهي: كونه خبرًا ثانيًا، أو بَدَلًا من الخبرِ، أو حالًا، وإنما اضْطررْنَا إلى تقدير مبتدأ قَبْلَ {يُرْسِلُ}؛ لأن المضارع المثبت إذا وقع حالًا لم يقترن بالواو كما تقدَّم إيضاحه.
والخامس: أنها مُسْتَأنَفَةٌ سيقت للإخبار بذلك، وهذا الوجه هو في المعنى كالثاني.
قوله: {عليكم} يحتملُ ثلاثة أوجه:
أظهرها: أنه متعلّق بيرسل ومنه: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ} [الرحمن: 35] {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ} [الأعراف: 133] {وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرا} [الفيل: 3] إلى غير ذلك.
والثاني: أنه متعلّق بـ {حَفَظَة}، يقال: حفظت عليه عمله، فالتقدير: ويرسل حَفَظَةً عليْكُمْ.
قال أبو حيَّان: أي: يحفظون عليكم أعمالكم، كما قال: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار: 10] كما تقول: حفظت عليك ما تعمل فقوله كما قال تشبيه من حيث المعنى، لا أن {عَلَيْكُمْ} تعلَّقَ بـ {حافظين}؛ لأن {عَلَيْكُمْ} هو الخبر لأنَّ، فيتعلق بمحذوف.
والثالث: أنه مُتَعلِّقٌ بمحذوف على أنه حالٌ من {حَفَظَة}، إذ لو تأخَّر لجاز أن يكون صِفَةً لها.
قال أبو البقاء: {عَلَيْكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: هو مُتعلّق بـ {يرسل}.
والثاني: أن يكون في نِيَّةِ التَّأخير، وفيه وجهان:
أحدهما أن يتعلَّق بنفس {حَفَظَة} ن والمفعول محذوف، أي: يرسل عليكم من يحفظ أعمالكم.
والثاني: أن يكون صفة لـ {حفظة} قدمت فصارت حالًا.
قوله: والمفعول محذوف يعني: مفعول {حفظة}، إلاَّ أنَّهُ يُوهِمُ أنَّ تقدير المفعول خاصُّ بالوجه الذي ذكره، وليس كذلك، بل لابد من تقديره على كُلِّ وجْهِ، و{حَفَظَة} إنما عمل في ذلك المقدَّر لكونه صِفَةً لمحذوفٍ تقديره: ويرسل عليكم ملائكة حَفَظَةً؛ لأنه لا يعمل إلاَّ بشروطٍ هذا منها، أعني كونه معتمدًا على موصوف، و{حفظة} جمعُ حافظ، وهو مُنْقَاسٌ في كُلِّ وصْفٍ على فاعلٍ صحيح اللام لعقلٍ مذكرٍ، كبارِّ وبَررَة، وفاجر وفَجَرة، وكاملٍ وكَمَلَه، ونيقل في غير العاقل، كقوله: غُرابٌ نَاعقٌ وغِرْبَانٌ نعقة.
وقوله: {تَوَفَّتْهُ} قرأ الجمهور {تَوَفَّتْهُ}، ماضيًا بتاء التأنيث لتأنيث الجمع.
وقرأ حمزة: {تَوَفَّاهُ} من غير تاء تأنيث، وهي تحتمل وجهين.
أظهرهما: أنه ماضٍ، وإنما حذفَ تاء التأنيث لوجهين:
أحدهما: كونه تأنيثًا مجازيًا.
والثاني: الفَصْلُ بين الفِعْلِ وفاعله بالمفعول.
والثاني: أنه مضارع، وأصله: تَتَوَفَّاهُ بتاءين، فحذفت إحداهما على خلافٍ في أيَّتهما كـ {تَنَزَّلُ} وبابه، وحمزة على بابه في إمالة مثل هذه الألف.
وقرأ الأعمش: {يَتَوَفَّاهُ} مُضارعًا بياء اليغَيْبَةِ اعتبارًا بكونه مؤنثًا مجازيًا، أوْ للفَصْلِ، فهو كقراءة حَمْزَةَ في الوجْهِ الأوَّل من حيث تذكير الفعلِ وكقراءته فغي الوَجْهِ الثاني من حيث إنه أتى به مُضَارعًا.
وقال أبو البقاء: وقرئ شاذًا {تَتَوفَّاهُ} على الاسْتِقْبَالِ، ولم يذكر بياء ولا تاء.
قوله: {وهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} هذه الجملة تحتمل وجهين:
أظهرهما: أنها حالٌ من {رسلنا}.
والثاني: أنها اسْتِئْنَافِيَّةٌ سيقت للإخبار عنهم بهذه الصِّفة، والجمهور على التشديد في {يُفَرِّطُون}، ومعناه: لا يُقَصِّرُون.
وقرأ عمرو بن عُبيد والأعرج {يُفْرطُون} مخففًا من أفرط، وفيها تأويلان:
أحدهما: أنها بمعنى: لا يجاوزون الحَدَّ فيما أمِرُوا به.
قال الزمخشري: فالتفريط: التَّوَاني والتأخير عن الحَدِّ، والإفراطُ مُجَاوَزَةُ الحدِّ أي: لاينقصون مما أمروا بِهِ، ولا يزيدون.
والثاني: أنَّ معناه لا يتقدَّمُون على أمْرِ الله، وهذا يحتاج إلى نَقْلِ أنَّ أفْرَطَ بمعنى فَرَّط، أي: تقدَّم.
قال الجَاحِظُ قريبًا من هذا فغنه قال: معنى لا يُفْرِطون: لا يدعون أحَدًا يَفْرُط عنهم، أي: يَسْبِقُهُمْ ويفوتهم.
وقال أبو البقاء: ويقرأ بالتخفيف، أي: لا يزيدون على ما أمِرُوا به، وهو قريبٌ مما تقدَّم. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (62):

قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ (62)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أشار سبحانه إلى قوته بالجنود التي تفوت الحصر- وإن كان عنهم غنيًا بصفة القهر- نبه بصيغة المجهول إلى استحضار عظمته وشامل جبروته وقدرته فقال: {ثم} أي بعد حبسهم في قيد البرزخ {ردوا} أي ردهم راد منه لا يستطيعون دفاعه أصلًا {إلى الله} أي الذي لا تحد عظمته ولا تعد جنوده وخدمته {مولاهم} أي مبدعهم ومدبر أمورهم كلها {الحق} أي الثابت الولاية، وكل ولاية غير ولايته من الحفظة وغيرهم عدم، لأن الحفظة لا يعلمون إلا ما ظهر لهم، وهو سبحانه يعلم السر وأخفى.
ولما استحضر المخاطب عزته وقهره، وتصور جبروته وكبره، فتأهل قلبه وسمعه لما يلقى إليه ويتلى عليه، قال: {ألا له} أي وحده حقًا {الحكم} ولما كان الانفراد بالحكم بين جميع الخلق أمرًا يحير الفكر، ولا يكاد يدخل تحت الوهم، قال محقرًا في جنب قدرته: {وهو} أيوحده {أسرع الحاسبين} يفصل بين الخلائق كلهم في أسرع من اللمح كما أنه يقسم أرزاقهم في الدنيا في مثل ذلك، لا يقدر أحد أن ينفك عن عقابه بمطاولة في الحساب ولا مغالطة في ثواب ولا عقاب، لأنه سبحانه لا يحتاج إلى فكر وروية ولا عقد ولا كتابة، فلا يشغله حساب عن حساب ولا شيء عن شيء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما قوله تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله مولاهم الحق} ففيه مباحث: الأول: قيل المردودون هم الملائكة يعني كما يموت بنو آدم يموت أيضًا أولئك الملائكة.
وقيل: بل المردودون البشر، يعني أنهم بعد موتهم يردون إلى الله.
واعلم أن هذه الآية من أدل الدلائل على أن الإنسان ليس عبارة عن مجرد هذه البنية، لأن صريح هذه الآية يدل على حصول الموت للعبد ويدل على أنه بعد الموت يرد إلى الله، والميت مع كونه ميتًا لا يمكن أن يرد إلى الله لأن ذلك الرد ليس بالمكان والجهة، لكونه تعالى متعاليًا عن المكان والجهة، بل يجب أن يكون ذلك الرد مفسرًا بكونه منقادًا لحكم الله مطيعًا لقضاء الله، وما لم يكن حيًا لم يصح هذا المعنى فيه، فثبت أنه حصل هاهنا موت وحياة أما الموت، فنصيب البدن: فبقي أن تكون الحياة نصيبًا للنفس والروح ولما قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله} وثبت أن المرد وهو النفس والروح، ثبت أن الإنسان ليس إلا النفس والروح، وهو المطلوب.
واعلم أن قوله: {ثُمَّ رُدُّواْ إلى الله} مشعر بكون الروح موجودة قبل البدن، لأن الرد من هذا العالم إلى حضرة الجلال: إنما يكون لو أنها كانت موجودة قبل التعلق بالبدن، ونظيره قوله تعالى: {ارجعى إلى رَبّكِ} [الفجر: 28] وقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} [يونس: 4] ونقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام» وحجة الفلاسفة على إثبات أن النفوس البشرية غير موجودة قبل وجود البدن حجة ضعيفة بينا ضعفها في الكتب العقلية.
البحث الثاني: كلمة إلى تفيد انتهاء الغاية فقوله إلى الله يشعر بإثبات المكان والجهة لله تعالى وذلك باطل فوجب حمله على أنهم ردوا إلى حيث لا مالك ولا حاكم سواه.
البحث الثالث: أنه تعالى سمى نفسه في هذه الآية باسمين: أحدهما المولى، وقد عرفت أن لفظ المولى، ولفظ الولي مشتقان من الولي: أي القرب، وهو سبحانه القريب البعيد الظاهر الباطن لقوله تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} [ق: 16] وقوله: {مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: 7] وأيضًا المعتق يسمى بالمولى، وذلك كالمشعر بأنه أعتقهم من العذاب، وهو المراد من قوله: «سبقت رحمتي غضبي» وأيضًا أضاف نفسه إلى العبد فقال: {مولاهم الحق} وما أضافهم إلى نفسه وذلك نهاية الرحمة، وأيضًا قال: مولاهم الحق، والمعنى أنهم كانوا في الدنيا تحت تصرفات الموالي الباطلة وهي النفس والشهوة والغضب كما قال: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ} [الجاثية: 23] فلما مات الإنسان تخلص من تصرفات الموالي الباطلة، وانتقل إلى تصرفات المولى الحق.
والاسم الثاني الحق: واختلفوا هل هو من أسماء الله تعالى، فقيل: الحق مصدر.
وهو نقيض الباطل، وأسماء المصادر لا تجري على الفاعلين إلا مجازًا كقولنا فلان عدل ورجاء وغياث وكرم وفضل، ويمكن أن يقال: الحق هو الموجود وأحق الأشياء بالموجودية هو الله سبحانه لكونه واجبًا لذاته، فكان أحق الأشياء بكونه حقًا هو هو، واعلم أنه قرئ الحق بالنصب على المدح كقولك: الحمد لله الحق. اهـ.